Thursday, December 27, 2007

كتاب الشيخ عبد الرحيم

كتاب صغير يجلس فيه شيخ كبير السن له من الكبر ما له يخشاه كل من في الحي
فهو درس لك ولوالدك ولجدك تعرفه عندما تهرول الاطفال وكأن خلفهم مارد
لا أذكر سوى بعض الايام التي تبدو كالانوار الخافتة البعيدة عن تلك الايام
كنا نذهب إلى الكتاب لنحفظ القرآن ونتعلم القرآة والكتابة وكان أشد ما يرهبني عصاة الشيخ
إنها تبدو كعامود يضرب به من شاء وقتما شاء وكيفما شاء
ذات استيقظت من النوم على صوت أمي وهي تيقظني لكي أذهب إلى الكتاب
لم أكن مثل الاطفال المرفهين حتى أذهب للحضانات فوالدي أزهري ويرى أن التعليم في الحضانة لا يزيد الاطفال سوى مزيدا من التعصب لأن القائم على الحضانات فكر متأخر ومتحجر كثيرا فكان لابد من الذهاب للكتاب وعندما رأت أمي بأنني لا أريد الذهاب كان شيئا عاديا فهي نفسها عندما كانوا يذهبون بها وهي طفلة إلى ذلك الكتاب كانت تبكي فكيف بوليدها الصغير وقالت لأبي وأشارت عليه ان "آخذ هذا اليوم أجازة " ورفض ابي رفضا قاطعا فأخذت في البكاء
-- والنبي ياابه كتاب الشيخ عبد الرحيم لأ
- والنبي هروح مع العيال صحابي عند الاستاذ.....
وما كدت أنطق الكلمة حتى ضربت للذهاب إلى الشيخ كان موعدي في تمام الساعة الثامنة والنصف صباحا لكن بعد المداولات والمحاولات كانت الساعة التاسعة
- أبو مين اللي يروح الكتاب بتاع سيدنا الشيخ الساعة 9 يكون يومه أسود متأخر دي مصيبة
وذهب إلى الكتاب في صحبة أمي التي لم تستطع ان تتفوه بكلمة امام قرار أبي فهي كانت تريد لي أيضا أن أتعلم ولكن تخشى علي من عصا الشيخ المهم ان الامر قد كان وذهبنا إلى الكتاب وقالت وتحايلت على الشيخ أن يتركني ويعفو عني ولكن أبو مين اللي يقدر يقول حاجة لسيدنا الشيخ فقالت والدتي عندئذ وهي تخشى من الشيخ لما له من السطوة والسلطة والتاريخ الطويل مع أطفال الكفر
- أنا هامشي دلوقتي وهو مش هيعملك حاجة
وكانت أمي تدري تماما أنه لا جدوى من الكلام مع الشيخ فهو آمرها ان تذهب فورا وتتركني
ودخل الشيخ الحصة والاطفال ماجت من الخوف ثم قال لي
- بجى انته مش عايز تيجي الكوتاب
وأخذ يضربني وأنا لا حول لي ولا قوة وأثناء الضرب لمح شيء رغم انه يكاد لا يرى
التفت إلى أحد التلاميذ وقال له
- أبوك يجولك أمبارح روح هات طلب تسب له الدين
وكانت الاباء لا تكلف نفسها عناء تربية تلك الاطفال ويتركوا للشيخ المسئولية كاملة فكان يذهب الاب من هؤلاء إلى الشيخ ليشتكي له ان ابنه صنع كذا وكذا فيقوم الشيخ بمهمة التربية
وأذكر موقفا أن أحد زملائي الاكبر سنا وهو الان محامي بارع قد تغيب للعاشرة صباحا عن موعد الكتاب فقام الشيخ بنفسه بالذهاب لبيته لكي يجره إلى الدرس على "وجه اللي جايبينه" فكيف لا يريد هذا الشخص ألا يتعلم وكيف له ان يقول ولو خفاءا لا أريد حفظ القرآن فوجد الشيخ أباه يجلسه بجواره فضرب الاب والابن مرة واحدة وقال له
- دلعه يا خويا كومان
ويحكي والد الطفل عن الموقف وكيف أنه لم يستطع أن يتكلم في الشيخ هو من رباه من صغره وكان يفعل ذلك مع والده ويقول معلقا
- وانا هعمل ايه يعني .... وهو يعني لما كان بيعملها معايا كان ابويا بيقدر يتكلم
ويحكى من أجيال قديمة ان الشيخ كان يفرش الشارع الفلاني بطوله "حصرا " والشارع يبلغ من الطول حوالي 50 متر بخمس شوارع جانبيه لكي يستوعب عدد الطلاب
والجدير بالذكر هنا أن هذا الكتاب تعلم فيه كافة الناس في الحي هنا وحفظوا على يده القرآن وتعلمنا الصلاة والعبادات والقرآءة والكتابة والحساب حتى من لم يكمل تعليمه المدرسي يقرأ ويكتب "زي الرهوان" بفضل كتاب الشيخ عبد الرحيم
واليوم وبعد أن خرج الشيخ عبد الرحيم أجيال وأجيال من الدكاترة والفنانين والشعراء والمهندسين وغيرهم هل من يتذكره ؟!
--------------
إن تجربة الكتاب واحدة من أرقى تجارب التعلم وأعزي فشل التعليم في مصر بسبب إلغاء الكتاتيب أو انقراضها فكم من عالم تخرج وطبيب تمرس ومهندس يغرد من تحت عباءة الكتاتيب
الكتاب واحد من أهم تجارب التعليم المفتوح الحر وإن سادت بعض الممارسات المرفوضة لكن يكفي انه كان ناجحا على مدى قرون من الزمان
والله يرحمك يا شيخ عبد الرحيم